01-09-2009

الرئيسيةأخبار الوطناتصل بنا 

 

اميركا "خائبة" من سوريا... لكنها تعطيها وقتاً

سركيس نعوم

 

حقق الرئيس الاميركي باراك اوباما، في رأي متابعين اميركيين لمسيرته وللأوضاع في بلاده وعلاقاتها مع الخارج المتنوع، نجاحات عدة منذ توليه الرئاسة قبل نيف وثمانية اشهر، وخصوصاً على صعيد وضع الأزمة الاقتصادية الاقسى منذ انهيار عام 1929 على طريق الحل.
لكن ذلك لا يعني انه لا يواجه صعوبات اخرى كبيرة، سواء في الداخل او في الخارج، يمكن ان يؤثر استمرارها وعجزه عن التعامل معها بنجاح سلباً عليه. بعض هذه الصعوبات يحيط بملف الرعاية الصحية الذي يعتبر اصلاحه واجباً وطنياً، وخصوصاً انه يتيح لأكثر من سبعة واربعين مليون اميركي غير مشمولين بنعمة هذه الرعاية فرصة الافادة منها بطريقة معقولة. والجهات المتسببة بها كثيرة، الا ان ابرزها ينتمي الى المحافظين من قدامى وجدد، والى الحزب الجمهوري تحديداً، الذي لا يحبذ مغالاة الدولة في التدخل في الشؤون الاقتصادية ويحاول استغلال ملف الرعاية الصحية لتصفية حسابه مع الحزب الديموقراطي الذي "كسحه" في الانتخابات الرئاسية الاخيرة وتعزيز شعبيته بعدما اعتبر كثيرون ان نجاح اوباما وفشل اخصامه في عرقلة مسيرته، وغياب القادة الرؤيويين عنه لا بد ان يحوله حزباً مناطقياً مهددا بالتلاشي.
وبعض آخر من الصعوبات نفسها يحيط بملف افغانستان، التي قرر اوباما قبل انتخابه رئيساً التعامل معها على نحو مختلف عن التعامل الذي يحبذه مع العراق بمشكلاته المعروفة، ومع ايران الاسلامية بأخطارها المعروفة، ومع سوريا بالتسهيلات الخطرة التي تقدمها الى أكثر من دولة وجهة معادية لأميركا في المنطقة، وبتعقيدها المستمر مع حليفها الايراني لأوضاع لبنان. فهو (اي اوباما) قرر الحوار مع ايران وسوريا والانسحاب من العراق وعدم اللجوء الى القوة العسكرية إلا مضطراً والاكتفاء بخطوات سياسية واقتصادية عقابية. اما في افغانستان، فقد التزم التشدد في استعمال القوة لاعتبارات عدة تحدث عنها وليس الآن مجال تكرارها. الا ان التصعيد الذي قام به "طالبان" فيها ضد قواتها الحكومية وضد قوة "ايساف" الاطلسية بدأ يقلق أوباما، وهو قد ينعكس عليه سلباً، وخصوصاً اذا تفاقم وأدى الى ازدياد كبير في عدد الضحايا الاميركية من عسكرية ومدنية.
طبعاً لا يعني ذلك ان ملف ايران سهْلٌ في نظر اوباما وادارته، رغم اعتقادهما ان رد فعلها على دعوته الموازية لها سيكون ايجابياً، مبدئيا على الاقل، ذلك ان ما يجري فيها منذ انتخاباتها الرئاسية في 12 حزيران الماضي اربك النظام بكل مؤسساته. وهو قد يؤخر الايجابية المتوقعة ربما في انتظار توصل اركان النظام الايراني الى تفاهم وطني عام. وهذا امر ليس مستبعداً. لكنه قد يستغرق وقتاً.
ماذا عن سوريا واميركا اوباما؟
قيل الكثير عن العلاقة بين الدولتين وكتب الكثير كذلك ولاسيما بعد وصول اوباما الى الرئاسة بل بعد اطلاقه حواراً مع القيادة السياسية السورية العليا. وبعض ما قيل وكتب، سواء في الجانب السوري او في الجانب الاميركي، كان مشجعاً حيناً ومخيباً حيناً آخر. وبعضه كان مضللاً في نواح عدة، لذلك كان لا بد من درس العلاقة السورية – الاميركية "المستجدة"، اذا جاز التعبير على هذا النحو، بعد الاطلاع على تطوراتها من جهات اميركية متابعة لها بكثير من الدقة والاحتراف وذلك بغية اطلاع الرأي العام على تطوراتها نظراً الى انعكاسات هذا الامر على لبنان واوضاعه. علماً ان هذه الانعكاسات قد تكون ايجابية، كما قد تكون سلبية.
ماذا تقول الجهات المذكورة عن علاقة سوريا – اميركا اليوم؟
تقول اولاً، ان سوريا بشار الاسد كانت في مأزق او في ورطة بسبب موضوعات عدة. وتقول ايضاً انها قررت في المدة الأخيرة ولأسباب متنوعة الاقتراب اكثر من الجمهورية الاسلامية الايرانية، رغم انها قريبة جداً منها. من هذه الأسباب خوف سوريا من وصول الاصلاحيين الايرانيين الى السلطة او بالأحرى من استيلائهم عليها سواء بواسطة الانتخابات "النزيهة" او بأي واسطة اخرى. وسبب الخوف اقتناعها بأن علاقتها الوثيقة، بل الاستراتيجية، مع ايران لا بد ان تتأثر سلباً، اي ان تتأذى في "عهد" الاصلاحيين وخصوصاً اذا قرروا التقاط اليد التي مدها الى ايران الرئيس الأميركي عندما دعاها الى حوار شامل حول كل القضايا المختلف عليها بين البلدين.
ومن الأسباب ايضاً اقتناع سوريا بشار الاسد بأن المحادثات والمناقشات الكثيرة التي جرت بين المسؤولين الكبار فيها وعدد من المسؤولين الاميركيين الكبار الذين زاروا سوريا، لم تسفر حتى الآن على الأقل عن اي نتيجة ايجابية ملموسة وحسية. اذ باستثناء قرار اوباما إعادة السفير الأميركي الى دمشق، وهذا امر قد يستغرق وقتاً طويلاً فضلاً عن تخفيف عقوبات معينة، فان سوريا بشار الاسد لم تحصل على شيء تستطيع بواسطته ان تبرر تغيير خطها السياسي والاستراتيجي المعادي لأميركا مباشرة او مداورة، او بالأحرى تعديله. هذا على الاقل ما يقوله السوريون، علماً ان الاميركيين يقولون شيئاً مماثلاً، اي ان اميركا لم تحصل من سوريا على اي نتيجة حسية وملموسة منذ بدء الحوار معها.
طبعاً، يعني ذلك ان امل اميركا اوباما في سوريا بشار الاسد خاب، لكنه لا يعني – تلفت الجهات الاميركية المتابعة اياها – ان واشنطن ستوقف حوارها مع دمشق، بل هي ستعطي سوريا الوقت وسترى اذا كانت ستنشأ علاقة بين السفير الاميركي الذي سيعين في دمشق والرئيس بشار الاسد مشابهة للعلاقة التي كانت قائمة بين السفير السابق ادوارد دجيرجيان والرئيس الراحل حافظ الاسد، وكانت علاقةَ ثقةٍ متبادلة وتشاور مستمر وتعاون وصداقة تامة ومكاشفة كاملة. ويأمل صناع القرار في واشنطن ان يسمح بشار بنمو علاقة كهذه لأن من خلالها يمكن تحقيق الكثير من الانجازات.
ماذا عن اميركا من جهة وسوريا والعراق من جهة اخرى في ضوء خلافهما الأخير؟

المصدر:صحيفة النهار اللبنانية    -  أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر تسبب ملاحقه قانونيه

الرئيسية

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن موقف المرصد السوري