أخبار الوطناتصل بنا الرئيسية

21/08/2010

 

ملفّ شهود الزور بين الحريري وحزب اللّه: من أين يبدأ وأين ينتهي؟

 

 

عشيّة انعقاد جلسة مجلس الوزراء، الأربعاء الماضي (18 آب)، التي ناقشت موضوع شهود الزور في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كان حزب الله قد حدّد الهدف من إثارته والانتقال به من الشارع والإعلام إلى طاولة السلطة الإجرائية، وهو تأليف لجنة وزارية أو قضائية تناط بها مهمة وضع اليد على الملف، والمضي به في موازاة الجدل الدائر حول المحكمة الدولية والقرار الظني المتوقع صدوره عنها.
وبحسب المطلعين على موقف الحزب حينذاك، فهو توخّى النتائج الآتية:
1 ـــــ جعل موضوع شهود الزور هدفاً في ذاته، وإبراز إصراره على الأهمية التي يوليها له. وكان حزب الله قد مهّد لجلسة مجلس الوزراء بتأكيده أنه سيثير الموضوع من خارج جدول الأعمال. وكان الوزير حسين الحاج حسن أول مَن طرحه بعرض هادئ، وسمح به رئيس الجمهورية ميشال سليمان، فيما الصلاحية الدستورية تضع لدى الرئيس حق طرح بند من خارج جدول الأعمال. ورأى وزير حزب الله أنه يطرح الموضوع لأنه يجد في مجلس الوزراء المكان الصحيح لذلك، ولم يمانع في تأليف لجنة من وزير أو أكثر للبحث فيه والحصول على أجوبة مجدية عنه.
كانت التهدئة التي أحاطت بجلسة مجلس الوزراء، وهو يبحث في ملف استفزازي لفريق، قد أوحت بتسوية متبادلة بين رئيس الحكومة سعد الحريري وحزب الله قضت بصيغة تفاهم، مفادها إرسال القرائن والمعطيات التي تحدّث عنها الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، قبل أسبوعين، إلى المدّعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا، وطرح موضوع شهود الزور على طاولة مجلس الوزراء. وكلا عنصري الصيغة طبّق في مناخ تهدئة وتعاون التزمه الحريري والحزب على السواء.
 2ـــــ لم يكن حزب الله يتوقع أكثر ممّا تقرّر في مجلس الوزراء، وهو تكليف وزير العدل إبراهيم نجار جمع المعلومات لتكوين ملف عن شهود الزور، يضعه أمام مجلس الوزراء. ويعتقد المطلعون على موقف الحزب أنه لم يكن يريد في الواقع أكثر من ذلك.
إلا أن ما استرعى وزيري الحزب أن رئيس الحكومة نفر من استخدام عبارة «وضع مجلس الوزراء يده» على ملف شهود الزور، واستعاض عنها بأخرى هي «اطّلع مجلس الوزراء». وهي إشارة كافية إلى تمييز موقف الحريري من شهود الزور عن موقف حزب الله. وفيما حاول الأول تقليل أهمية الموضوع بإحالته على مجلس الوزراء كجهة لا تملك مفتاح الولوج إليه بمعزل عن المحكمة الدولية، وفضّل حصره بوزير حليف له هو وزير القوات اللبنانية، وجد الثاني في وضع ملف شهود الزور على طاولة مجلس الوزراء سبباً وجيهاً للاعتقاد بأن أحداً لن يسعه بعد اليوم إنكار وجود هذه المشكلة، ولا التصرّف حيالها بلامبالاة.
مع ذلك لم يُمنح وزير العدل مهلة محدّدة لتقويم مهمته، ولا بدا واضحاً من أين سيحصل على المعلومات والوثائق التي طلبها منه مجلس الوزراء. والمقصود بذلك إفادات شهود الزور الموجودة لدى مرجعين لا ثالث لهما، هما المحكمة الدولية وميرزا.
3 ـــــ من خلال إثارة شهود الزور، يكون حزب الله قد فتح جبهة ثانية على المحكمة الدولية، بعدما قدّم أمينه العام ما عدّه قرائن ومعطيات تتّهم إسرائيل بالضلوع في اغتيال الحريري الأب، داعياً إلى الأخذ بها كفرضية جدّية محتملة. ومع أن الحزب لا يُفصح، بإثارته موضوع شهود الزور، عن استهدافه المحكمة الدولية على وفرة ما يقوله بأنه غير معني بها، إلا أنه رمى إلى وضع التحقيق الدولي الذي مهّد للمحكمة الدولية في دائرة التشكيك وطعن صدقيته، وخصوصاً في مراحله الأولى مع القاضي ديتليف ميليس، باتهام أربعة ضباط كبار بالتورّط في اغتيال الرئيس الراحل بالتعاون مع سوريا، أطلقتهم المحكمة بعد أربع سنوات بعدما تأكد بطلان الاتهام.
وهو بذلك وضع التحقيق الدولي الذي نظر إليه باستمرار على أنه مسيّس وغير موثوق به، على قدم المساواة مع شهود الزور الذين تبادلوا مع لجنة التحقيق الدولية تضليل البحث عن القتلة الحقيقيين للرئيس السابق للحكومة.
4 ـــــ ينتقل حزب الله من خلال قرائن أمينه العام وإثارة موضوع شهود الزور من موقع الدفاع عن النفس إلى موقع توجيه الاتهام. يلتقط المبادرة التي تجعله مؤثراً في إدارة الجدل والشكوك حيال المحكمة الدولية، والطعن في صدقية قرارها الظني إذا رمى إلى اتهام أعضاء فيه باغتيال الحريري الأب، عوض الانكفاء والترّيث.
على نحو كهذا، يجعل حزب الله البندين الجديدين اللذين فرضهما في الجدل الساخن حول المحكمة الدولية، وهما تأجيل القرار الظني وكشف شهود الزور، أمراً واقعاً لا يسع خصومه المحليين ولا الإقليميين تجاهله. وعلى غرار الاتهام السياسي الذي ساقته قوى 14 آذار ضد سوريا بتحميلها وزر اغتيال الحريري الأب بين عامي 2005 و2008، وتعويلها لدعم وجهة نظرها هذه على قطاعي الاتصالات والأقمار الصناعية، قدّم نصر الله في مؤتمره الصحافي الأخير مرافعة مماثلة بتوجيه اتهام سياسي إلى إسرائيل باغتيال الرئيس السابق للحكومة، وكشفه عن قرائن استمدها، لتعزيز وجهة نظره أيضاً، من قطاعي الاتصالات والأقمار الصناعية. وهو في حال كهذه، استخدم عدّة الشغل نفسها التي حاولت من خلالها قوى 14 آذار، على امتداد ثلاث سنوات، التأثير في مسار التحقيق الدولي، وتوجيهه في المنحى الذي يجعلها تقدّم براهين على تورّط سوريا في اغتيال الحريري.
ورغم أن حزب الله ليس واثقاً من أن المدعي العام للمحكمة الدولية القاضي دانيال بلمار سيأخذ على محمل الجدّ القرائن والمعطيات التي عرضها أمينه العام، إلا أنه يصير الآن أكثر تيقناً من أن هذه القرائن والمعطيات لن تستعجل بالضرورة إصدار القرار الظني، في الموعد الذي أشيع أنه سيكون بين أواخر تشرين الثاني وأوائل كانون الأول المقبل. وفي أحسن الأحوال، ينظر حزب الله إلى موعد صدور القرار الظني على أنه أصبح أبعد بكثير ممّا يتوقعه كثيرون.
إلى أين، إذاً، يقود الخوض في ملف شهود الزور؟
توجب طرح هذا التساؤل المعطيات الآتية:
ـــــ ما دام حزب الله قد أظهر طرحه ملف شهود الزور جدّياً، فإن سعيه الفعلي إلى الحصول على المعلومات التي تؤكد شكوكه، وحلفاؤه في قوى 8 آذار وكذلك سوريا، في الجهات التي تقف وراء هؤلاء، سيفضي حكماً إلى مشكلة داخلية حساسة ودقيقة، كانت قد حملت رئيس الحكومة وحلفاءه على رفض البحث في شهود الزور، وبينهم مَن أنكر وجودهم. ويعرف حزب الله أكثر من سواه، على أثر تقويمه نتائج جلسة مجلس الوزراء الأربعاء، أن وزير العدل لن يتمكّن من الحصول على المعلومات التي يطلبها حزب الله، ولا على دفع هذا الملف في وجهة إدانة أؤلئك الذين يقول الحزب إنه يعرف مقدار ضلوعهم في صنع شهود الزور وتوجيههم، بمَن فيهم محيطون أو وثيقو الصلة برئيس الحكومة.

ـــــ لا يمكن مقاربة ملف شهود الزور بمعزل عن سوريا، المعنية به هي الأخرى، سواء لوجود أكثر من شاهد زور سوري، أو لكونها كانت أول المستهدفين من شهود الزور الذين قدّموا إفادات لدى لجنة التحقيق الدولية ورد فيها ضلوع دمشق وقيادتها في اغتيال الحريري الأب، ثم تراجع بعض هؤلاء عن إفاداتهم تلك، ممّا حمل اللجنة على الطعن في إفاداتهم وإخراجها من مسار التحقيق.
كان اعتقال الضباط الأربعة أول الطريق إلى اتهام سوريا باغتيال الرئيس الراحل، في موازاة اتهامها بالاغتيالات والتفجيرات التي تلت 14 شباط 2005. وكان إطلاق الضباط الأربعة أول الطريق في فتح ملف شهود الزور واعتبار هؤلاء حقيقة واقعة لا بد من كشف أسرارها.
ـــــ بعد جلسة علنية أولى في 30 نيسان 2009 عندما أطلقت الضباط الأربعة من السجن، مثلت الجلسة العلنية الثانية للمحكمة الدولية في 13 تموز الماضي، بناءً على طلب اللواء الركن جميل السيّد، دليلاً إضافياً على ملف شهود الزور كحقيقة واقعة. في الجلسة العلنية الثانية، لم يكمن الجدل في وجود شهود الزور أو عدم وجودهم، وإنما في صلاحية المحكمة الدولية أو عدم صلاحيتها إعطاء السيّد إفادات شهود الزور من أجل ملاحقتهم أمام القضاء نظراً إلى مسؤوليتهم المباشرة عن اعتقاله التعسفي أربع سنوات. وفي حصيلة الجلسة تلك، حدّدت المحكمة الأسبوع الأول من أيلول المقبل موعداً لإصدار قرارها إعطاء السيّد إفادات شهود الزور أو حجبها عنه. إذ بعدما تنصّلت المحكمة الدولية منهم، وكذلك فعل القضاء اللبناني إذ اعتبر أنه لا يملك سيادة على ملف التحقيق في اغتيال الحريري الأب، توجه السيّد إلى القضاء السوري لمقاضاة هؤلاء وملاحقتهم، وخصوصاً أن بينهم شهود زور سوريين، ناهيك بإضافته إلى هؤلاء من خارج اللائحة المعروفة عن شهود الزور السوريين (محمد زهير الصدّيق وهسام هسام وأكرم شكيب مراد وإبراهيم ميشال جرجورة)، النائب السابق للرئيس السوري عبد الحليم خدّام. وإلى مَن عدّهم أيضاً شهود زور لبنانيين، سمّى شهود زور غير مباشرين كالرئيس الأول للجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس ومساعده غيرهارد ليمان.
 

المصدر:صحيفة الاخبار اللبنانية  - أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر تسبب ملاحقه قانونيه

الرئيسية

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن موقف المرصد السوري