أخبار الوطناتصل بنا الرئيسية

26/08/2010

 

"الأحباش"... أو "عودة دمشق"

علي الامين

 

الحادث الفردي في برج ابو حيدر امس الاول كانت نتيجته ثلاثة قتلى وجرحى وخسائر مادية، نتجت عن اطلاق قذائف اربي جي ورصاص تنقل بين اكثر من حي وشارع ومنطقة. حادث فردي ذكّر بزمن الميليشيات في بيروت في حقبة الثمانينات من القرن الماضي. والحوادث الفردية كانت مفردات تؤلف جملة الحرب. ما جرى في بيروت امس الاول اظهر حجم السلاح الفردي والمتوسط المباح والمنتشر في الشارع. كما بيّن انكفاﺀ دور القوى العسكرية والامنية الرسمية المعنوي والعسكري في الشارع، اذ بدا المتقاتلون غير آبهين بوجودها ومطمئنين لردود فعلها حيال انتهاكاتهم.

الى السلاح المباح، برز تنظيم جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية (الاحباش) في المواجهة مع حزب الله بقوة تتجاوز ما عهده الناس منه منذ خروج الجيش السوري من لبنان في العام 2005. كان الاحباش في ما يشبه السبات بعد جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. انكفأ حضورهم السياسي والشعبي، وصمدت العلاقة مع حزب الله واستمرت وعوضت شيئا من اليتم الذي اصابهم بعد خروج الجيش السوري من لبنان. لم ينفك الحلف مع حزب الله امس الاول، بل ظهر الاحباش كقوة قادرة على ان تقف في وجه حزب الله في بعض الاحياﺀ البيروتية، وهو ما بات يشكل مطلبا في وعي فئات بيروتية رأت كيف استبيحت بيروت في 7 ايار 2008.

يستحضر مشهد امس الاول في برج ابي حيدر نظرية الجيش والشعب والمقاومة. فهذه النظرية التي حققت العديد من الانجازات على صعيد المواجهة مع الاحتلال ثمة حاجة لمعرفة حدود معادلتها وكيف يجري اعتمادها وتنفيذها في بيروت، او سواها من المدن والبلدات ذات الصفاﺀ المذهبي او المختلطة. وهذا ما يجعل من ضرورة تحديد الصلاحيات الامنية والعسكرية بين المقاومة والجيش والشعب وكيفية التعامل مع مثل هذه الاحداث التي يمكن ان تتكرر في اكثر من منطقة، وكيف يمكن تفادي حصول مواجهات يدفع ثمنها الناس من ارواحهم وممتلكاتهم من دون ان يحاسب احد على ما ارتكب.

يبدو ان المقاومة يجري استدراجها لتتورط في مواجهات داخلية، وحادثة برج ابي حيدر ليست مجرد حادث فردي، ثمة نزعة استقواﺀ واستعراض قوة مستجد لدى جمعية المشاريع، والمواجهات التي قام بها انصار الاحباش ضد حزب الله تشير الى ان من يقف في وجه حزب الله ليس وحيدا، بل ثمة من يدعمه سياسيا وامنيا، وهو مطمئن الى انه محاط بحماية لا تسمح لحزب الله وعناصره بقمعه والغائه.

الخروج عن الصمت والاستيقاظ بعد نوم طويل بدا، مجلجلا هكذا تستعيد جمعية المشاريع جزﺀا من حضورها السابق من باب المواجهة مع حزب الله، علما ان هذه المواجهة لم تخلّ بعلاقتها بحركة امل، التي اعلنت خلال المعارك انها ليست طرفا في المواجهة، كما كان اعلن حزب الله قبل ايام من على باب وزير الطاقة انه غير معني بما يجري في الشارع (الشيعي) من اعتراضات، ملقيا المسؤولية بطريقة غير مباشرة على حركة امل، سواﺀ في بيروت او خارجها.

كانت مرحلة ما بعد شباط 2005 وبشكل خاص بعد 7 ايار 2008 اعلان صارخ بتسيد حزب الله المشهد الامني والسياسي. وهو تسيد استاﺀ منه خصومه من قوى 14 اذار، وافاد حلفاﺀه. لكن الظروف الاستثنائية خلال السنوات القليلة الماضية اتاحت لحزب الله ان يتجاوز خطوطا حمراﺀ في لعبة التوازنات الاقليمية وفي التوازنات المذهبية، فتمدد طولا وعرضا في الجغرافيا وفي الاجهزة وفي الطوائف وفي المذاهب.

انه وضع استثنائي يجب ان يعود الى سابق عهده، اي الى حدود الطائفة او الحزب وعدم تجاوزهما. هكذا يمكن تلمس اعتداد الاحباش واستعراض القوة الذي برز في اليومين الماضيين. فهو اعتداد متأتٍ من قناعة انهم يحظون بغطاﺀ اقليمي، وبانهم في مرحلة اعادة تأهيل حضورهم السياسي والشعبي والامني.

دمشق، التي تعود الى بيروت، تعود، ببطﺀ وتستهدي بطريق المواجهات.

المصدر:صحيفة البلد اللبنانية  - أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر تسبب ملاحقه قانونيه

الرئيسية

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن موقف المرصد السوري