أخبار الوطن الرئيسية

04/07/2011

 

هكذا اغتيل الحريري بمتفجّرة من زنة حرب في «عيد الحب»

 

 

من «السان جورج» الى لايتشندام، اكثر من ست سنوات ستفصل بين دخول لبنان «قوس الخطر» من بوابة «البركان» الذي انفجر في 14 فبراير 2005 مع اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، وبين انتصاب قوس العدالة الدولية وبدء المحاكمات في هذه الجريمة (متوقّعة الخريف المقبل) التي لا تزال «حممها» تتطاير في أكثر من اتجاه منذرة بـ «حرائق» في السياسة والأمن.
... من الواجهة البحرية لمدينة بيروت، حيث هوى «دولة الشهيد» رفيق الحريري (وكان معه النائب باسل فليحان) في انفجار «مزلزل» وُضع معه لبنان على «خط الزلازل» الاقليمي الدولي، الى الضاحية الشمالية لمدينة لاهاي «القانونية الهوى» وعاصمة العدالة الدولية حيث يرتقب ان في سبتمبر المقبل المحاكمات في جريمة 14 فبراير 2005.
... من الساحل الشرقي للبحر المتوسّط وأمواجه التي لم تسترح منذ «المدّ الدموي» الذي بدأ مع محاولة اغتيال النائب مروان حماده في الاول من اكتوبر 2004 وصولاً الى 25 يناير 2008 تاريخ تفجير الرائد في قوى الامن الداخلي وسام عيد، وما بينهما من اغتيالات ذهب ضحيتها ايضاً 8 شخصيات وقيادات سياسية وعسكرية وإعلامية، الى جنوب غرب الساحل الهولندي على بحر الشمال حيث «رسا» ملف جرائم الاغتيال (التي يثبت ترابطها مع اغتيال الرئيس الحريري) منذ ان رفعت المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بلبنان «أشرعتها» في الاول من مارس 2009 لتنطلق «سفينة الحقيقة» التي كانت أبحرت «شعاراً» من قلب «طوفان الناس» الذي غمر وسط العاصمة اللبنانية في 14 مارس 2005 التاريخ الذي دخل التاريخ تحت عنوان «ثورة الارز» او «انتفاضة الاستقلال» التي انفجرت بوجه سورية وحلفائها اللبنانيين.
... بين شعار «الحقيقة» في اغتيال الرئيس الحريري، وبين تَحوُّله حقيقة بعد نحو اربع سنوات (بدء عمل المحكمة) ودخوله الجولة «ما قبل الاخيرة» (عبر القرار الاتهامي) في رحلة الوصول الى العدالة (مع المحاكمات المنتظرة)، «صولات وجولات» من «الكباش» السياسي الداخلي ومن لعبة «الرقص على حافة الهاوية» او في «قمّتها»، استحقّ معها لبنان الموضوع في «فم التنين» لقب «بلاد ما بين ناريْ» الواقع الاقليمي والدولي الذي «يغلي» في «عقر داره»، والوضع المحلي المصاب بـ «حمى الجوار» وبصراعٍ على السلطة بين فريقيْ 14 و8 مارس يتخذ اللبوس السياسي ولكنه في واقع الحال ستار لـ «مصارعة» مذهبيّة بـ «قفازات»... متلوّنة.
نحو ستة أعوام من «الكرّ والفرّ»، اختصرها عنوان المحكمة الدولية الذي شقّ طريقه منذ وصول لجنة تقصي الحقائق الدولية بعد 11 يوماً على جريمة 14 فبراير 2005 و«توصيتها» بتشكيل لجنة تحقيقٍ دولية بدأت عملها في يونيو 2005، الى قيام المحكمة ذات الطابع الدولي بالقرار 1757 الذي صدر تحت الفصل السابع في 30 مايو 2007، وصولاً الى القرار الاتهامي الذي صدر أخيراً في «دفعته الأولى» واتّهم أربعة من «حزب الله» باغتيال الرئيس الحريري.

بيروت ـ من محمد بركات:
بعد ستة أعوام وأربعة أشهر ونصف الشهر على الجريمة التي هزّت لبنان والعالم، صدر القرار الاتهامي في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري ورفاقه عند الواجهة البحرية لمدينة بيروت.
ومع ارتداء «تيار المستقبل» وإعلامه وقوى 14 آذار شعار «على طريق العدالة»، استعاد اللبنانيون شريط ذاك «اليوم الأسود» الذي شكّل مفترقاً «انعطف» معه تاريخ لبنان ليدخل في الأعوام التي تلت مرحلة جديدة، سواء في العلاقات بينه وبين سورية، او بين مكوّناته السياسية والطائفية والمذهبيّة.
انه اليوم الذي «حُفر» في ذاكرة وطنٍ لم يكن يعلم انه سيدخل مع «تفجير» الحريري بمتفجّرة بزنة أكثر من طن كأنها «حرب»، في دوامة دموية من اغتيالات سياسية بدا كأنّ وراءها «قاتل متسلسل» انقسم اللبنانيون على هويّته ودوافعه على مدار «مسلسل» التحقيق الدولي وصولاً الى «المحكمة الخاصة بلبنان» التي باتت قاب قوسيْن من محاكمة المتَهمين.
كانت الساعة تشير الى الاولى إلا ربعاً ظهراً. كان يوم «عيد العشّاق» في 14 فبراير 2005. الجوّ السياسي كان متوتراً في لبنان رغم سطوع الشمس في واحد من أيام فبراير. كانت الغيوم السياسية مكفهرّة، وكان رئيس الوزراء يومها رفيق الحريري يتعرّض لحملة تخوين كبيرة.
في ذلك اليوم، كان موكب الحريري يعبر بهدوء أمام فندق «فينيسيا» بعدما انطلق من باحة مجلس النواب، حيث أجرى حديثاً سريعاً مع الصحافيين فيصل سلمان ومحمد شقير اكد فيه أن «لا أحد يزايد عليّ في وطنيتي وعروبتي».
قبل ذلك، طلب من مرافقه يحيى العرب أن يتصل بـ «الزعران»، أي سلمان وشقير، لأنه يريد أن يشرب القهوة معهما. فاتصل «أبو طارق» بشقير قائلاً له: «بدّو ياكن ضروري أو بقتلكن اليوم»؟ هكذا قال بالحرف، كأنه كان يعلم أن النهار لن يمرّ من دون قتل.
لم يكتف الحريري بدعوة واحدة، فطلب مرة ثانية أن يلاقوه «ع المدرسة»، قاصدا المقهى الواقع قبالة مبنى البرلمان، وبعث بالرسالة هذه المرة مع النائب علي حسن خليل من على درج مجلس النواب. قال له: «أنا فايت عند معلّمك (قاصداً رئيس البرلمان نبيه بري)، شف لي الزعران ويلاقوني عالمدرسة». فاتصل خليل بشقير: «عم يقول بدّو الزعران، دخل عند بري وسيلاقيكم».
لم تمض دقائق حتى أطلّ الحريري ولحق به النواب باسل فليحان وأيمن شقير وفارس سعيد وعاطف مجدلاني. جلس إلى طاولة ثالثة، بين «طاولة القرار 1559» التي يجلس عليها عادة مسؤول الاعلام في الامم المتحدة نجيب فريجي، و«طاولة اتفاق الطائف» التي يجلس عليها سلمان وشقير. واطلق على طاولته تسمية «قرار الامم المتحدة لمحاربة الارهاب».
بدأ الحديث عن الزيت واتهام جمعية خيرية تابعة له بتوزيعه «لاغراض انتخابية». قال لمجلسه الأخير إنه يريد أن ينسى ما حصل «لأن أي إثارة إضافية من قبلنا ستعتبر إسفافاً». وخاطب النائب وليد عيدو «ع السكيت، اعتبروها منتهية وقول للشباب (أي النواب) يضبضبوا الموضوع».
ثم تطرق الى العروبة والوطنية، فقانون الانتخاب و«الألغام» البيروتية فيه وصلاحيات وزير الداخلية الاستنسابية والعلاقة مع سورية، وصولاً إلى «أخطاء كانت وما زالت ترتكب». لم يكن يعرف أن خطأ أكبر على وشك الوقوع. كان يقول لمن حوله «من حاولوا اغتيال مروان حمادة لن يتجرأوا على الاقتراب مني لأن محاولة الاغتيال صنعت شبكة أمان وطنية ضدهم»، رغم التحذيرات الامنية التي وجهها إليه مسؤولون أمنيون وسياسيون محليون وعرب ودوليون.
«من شدة إيمانه كان لا يبالي بالاجراءات الامنية»، يقول محمد شقير. علماً ان الجميع كانوا يهمسون بامكان قتله أو قتل الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، وخصوصاً ان جريدة «الحياة» عنونت قبل يومين من الاغتيال «شيراك وبوش يحذران سورية من المسّ بسلامة الحريري وجنبلاط».
كان الحريري متلهفاً للقاء «الزعران» في «المدرسة»، إلا أنه لم يطل اللقاء معهم لأن «أبو طارق» همس له مذكراً إياه بموعد على الغداء، فقال له «جهّزوا السيارات» قبل ان يغادر مع فليحان.
ترك خبراً لمستشاره الاعلامي هاني حمود ان يلاقيه الى قريطم (مقر اقامته في غرب بيروت) ليكون حاضراً في استقبال ضيوف الغداء. وكان يريد اصطحاب النائب باسم السبع معه، لكن الأخير كان يحضر جلسة مناقشة قانون الانتخاب.
غادر، وكانت تلك المرة الأخيرة التي يراه فيها أحد حياً. في ايامه الأخيرة كان يسخر من الاجراءات الامنية. يتنقل بين قريطم والمناطق الاخرى كأنه ليس رفيق الحريري المهدّد المخوّن.
في الأحد الذي سبق اغتياله، أرسل شابين لينقلا مروان حمادة الى منزله لأنه اراد تمضية بعض الوقت معه. ثم أوصل حمادة بنفسه إلى منزله وراح يقود سيارته في شوارع بيروت من دون خوف. كتب فيصل سلمان لاحقاً: «كان بإمكاني التقاط ضحكته التي تركها قربي». واضاف أن الشهيد «تطاير كحبات التراب التي أحبها ولاعبها حتى كبرت وصارت مدينة، ولما اشتد ساعدها رموها في وجهه ناراً ورماداً».
غادر ساحة النجمة وما لبث ان سمع دويّ انفجار قوي. البعض ظنه جدار صوت لانه أتى على دفعتين. والبعض الاخر ظنه تفجيراً انتحارياً أو عبوة تستهدف مرافق سياحية. لكن الجميع ادركوا بعدها الزلزال الكبير الذي وقع.
امام فندق «سان جورج» كان بعض السياح قد خرجوا من فنادقهم للاستفادة من شمس فبراير. مشهد اعتادته المنطقة حتى الضجر. اما موكب رئيس الوزراء فكان ينساب من دون أبواق، على ما صرح عابرون. في الاولى إلا ربعاً، اهتزت بيروت ووصل ضغط اهتزازها إلى المناطق الواقعة على أطرافها وخارجها.
ظن اللبنانيون أنه اختراق آخر من تلك الإختراقات التي تقوم بها الطائرات الإسرائيلية. لكن الإنفجار تبعته سحابة من الدخان الكثيف راحت تغطي سماء العاصمة من جهة وسطها.
ثوان وتساقط زجاج أبنية المنطقة البحرية الممتدة من «سان جورج» حتى أطراف شارع فردان. بساط من الزجاج فرش الطرق التي حاول عابروها أن يصلوا إلى مكان ما لسماع نشرة الأخبار لمعرفة ما حصل. خطوط الهاتف توقفت. حركة السير شبه متوقفة بدءاً بشارع الحمراء (غرب بيروت) مروراً بكليمنصو وصولاً إلى مشارف القنطاري، حيث تهافت الأهالي لإخراج أطفالهم من المدارس. وعند تقاطع كاتدرائية مار جرجس، قطع شبان الطريق قبل ان يصل العناصر الامنيون لتطويق مكان الانفجار. المشهد يذكر بالحرب. الحرب تطل برأسها من أحدى المناطق السياحية. الشمس تختفي وراء سحب الدخان. السيارات تحاول الفرار من «منطقة الرعب». الجميع يبحثون عن مهرب، نزلاء الفنادق والعاملون فيها والعابرون. النار تلتهم عشرات السيارات والدخان يتصاعد. رائحة الحريق تصل إلى مشارف الحمراء. رائحة قوية تذكر ايضاً برائحة الحرب. زجاج الأبنية المجاورة يستمر في التساقط. الشارع قبالة مبنى «سان جورج» صار اشبه بفرن. النيران تأتي على كل شيء. واجهة الفندق العريق التي تخضع لصيانة عادت أسوأ من السابق. فبعدما كانت منخورة بالرصاص من زمن الحرب الاهلية بدت كأنها خاضت حربا كاملة في لحظات. عشرات السيارات تحترق. سيارات أخرى تضررت في شكل كبير بعدما تساقطت عليها شظايا السيارات المنفجرة. المبنى القديم قبالة «سان جورج» انهار في شكل شبه كامل فوق السيارات المتوقفة تحته.
خائفون فروا من المكان وقتلى يتفحمون داخل سياراتهم. السحابة تكبر وترتفع. انها الاولى والنصف. سيارات الإسعاف والإطفاء في كل مكان. أنباء عن تفكيك عبوة في مكان ما. البعض يتحدث عن اغتيال الرئيس الحريري ولكن لا شيء مؤكداً. في تلك الأثناء، بدأ أصحاب متاجر الحمراء والعاملون فيها ترتيبات الإقفال قبل أن يخلوا الشارع. جامعات المنطقة تفرغ من طلابها. شعاع الاضرار اتسع جنوباً حتى مطعم «انكل ديك» وشمالاً حتى حدود مبنى «ستاركو» حيث أفيد عن وقوع إصابات طفيفة.
الفنادق المحيطة بمكان الانفجار فرغت من نزلائها. طاولتها الاضرار في الخارج والداخل. مصاعدها توقفت عن العمل، وتوقف ضخ المياه في القساطل جراء ضغط الإنفجار. حتى ان بضعها قطع الكهرباء خوفاً من اندلاع حرائق. داخل الغرف، دمار كبير بسبب انهيار الزجاج على الخزائن واجهزة الكهرباء والأسرّة.
شيئاً فشيئاً اتضحت الصورة: انفجار ضخم استهدف الرئيس الحريري ومرافقيه واحدث حفرة عمقها نحو مترين وقطرها عشرة أمتار. وقرابة الثانية والنصف أصدر مستشفى الجامعة الاميركية بياناً أكد فيه أن الحريري وصل اليه وقد فارق الحياة مع نحو تسعة جثث وعشرات الجرحى. قطعت الطرق المؤدية الى «سان جورج»، ثم وصل اليها رئيس مجلس الوزراء انذاك عمر كرامي ووزير الداخلية سليمان فرنجية ونواب ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي جان فهد ومسؤولون أمنيون.
سرت اخبار ان النائب سمير الجسر كان يرافق الحريري وقد اصيب. لكن تأكد لاحقاً انه بخير بعدما اجرت احدى الاذاعات اتصالاً به. كما علم ان فريق «قناة أبو ظبي» نجا من الموت، اذ كان افراده يصورون في منطقة الفنادق، ومروا بالمكان قبل خمس دقائق من الانفجار.

المصدر:الراي العام الكويتية  -  أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر تسبب ملاحقه قانونيه

الرئيسية

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن موقف المرصد السوري